الإمام أبو العباس المرسى
حفظ كملف ورد
...
أماجد العلماء
الحمد لله الذى اختص العلماء بوراثه الانبياء والتخلق باخلاقهم وجعلهم القدوة للكافة، فقد ضل كثير من الناس وابتعدوا عن هدى الحبيب
عندما تركوا الاخذ عن اكابر علماء هذه الامة وادمنوا الاخذ من الأصاغر ففارقوا ما كان عليه سلفهم الصالح وما استقرت عليه أمة المسلمين عقودا وقرونا.
قال
(لازال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فاذا اخذوا العلم عن أصاغرهم هلكوا)، وقال
(إن هذا الدين علم، فانظروا عمن تاخذون)، وقال
(إذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا، ولا حول ولا قوه الا بالله).
ويقول الإمام فخر الدين محمد عثمان عبده البرهانى
:
ولإن سُئلتم ما الكتاب فانه مما رواه أماجد الأعلام
والمجمع عليه عند السادة العلماء ان الواحد منهم لا ينتقص كلام سيدنا رسول الله
ولا يحكم بوضعه ولا يضعفه ولايقدح فيه الا اذا كان فى يده سند من آيات كتاب الله او سنة نبيه عليه افضل الصلاة وأزكى السلام, ومنذ بداية القرن الأول الهجرى والثانى والثالث والرابع وحتى يومنا هذا تولى ساداتنا من اماجد العلماء رضوان الله عليهم الحفاظ على تراث ديننا الحنيف كما احب واراد
فكانت الاحاديث الصحيحة والتفاسير الصادقة واحداث التاريخ من بداية الرسالة المحمدية مع تسلسلها التاريخى إلى يومنا هذا محفوظة ومسندة بكل أمانة وصدق، ومن هؤلاء السادة العلماء الأجلاء ومع سيرته الطيبة كان
الإمام أبو العباس المرسى 
نشأته:
الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف بالله شهاب الدين أبو العباس الأنصارى المرسى السكندرى، ولّد عام 616 ه فى مدينة مرسية فى الأندلس، ومنها حصل على لقبه المرسى، والذى أصبح إسماً متدوالاً فى مصر بعد حذف لام التعريف. يتصل نسبه بالصحابى سعد بن عبادة. وارث شيخه أبى الحسن الشاذلى تصوفاً، الأشعرى معتقداً وهو أجل من أخذ عنه الطريق
، ولم يضع
شيئاً من الكتب وكان لديه فضيلة ومشاركة، وله كرامات وأحوال مشهورة عنه، وللناس فيه اعتقاد هائل لاسيما أهل إسكندرية، وقد شاع ذكره، وبعد صيته بالصلاح والزهد، ولأهل مصر ولأهل الثغر فيه عقيدة كبيرة، نزل الأسكندرية وصحب الإمام الشاذلى، وصحبه الإمام تاج الدين بن عطاء الله، والشيخ ياقوت العرش. وكان ساكناً فى خط المقسم بالقاهرة فكان كل ليلة يأتى الإسكندرية فيسمع ميعاد الشيخ أبى الحسن ثم يرجع إلى القاهرة وكان يقرأ عليه كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذى وكان هو وشيخه أبو الحسن يجلان الحكيم الترمذى
. وكان
أكثر ما يتكلم فى مجالسه فى العقل الأكبر والاسم الأعظم وشعبه الأربع والأسماء والحروف ودوائر الأولياء ومقامات الموقنين والأملاك المقربين عند العرش وعلوم الأسرار وأمداد الأذكار ويوم المقادير وشأن التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن ورجال القبضة وعلم الأفراد وما سيكون يوم القيامة من أفعال الله تعالى مع عباده من حلمه وإنعامه وجوده وانتقامه، وكان
يقول: لولا ضعف العقول لأخبرت بما يكون من رحمة الله تعالى. وطلب نائب الإسكندرية أن يجتمع به ويأخذ
بيده فيكون شيخه فقال للقاصد: لست ممن يلعب به. ولم يجتمع به حتى مات وكان إذا نام فى بلد فى السفر، وعرف أن كبيرها يريد الاجتماع به يســافر منها ليلاً قبل الفجر. وكان
به اثنا عشر باسوراً، وكان به الحصى وبرد الكلى، ومع ذلك فكان يجلس للناس، ولا يتأوه فى جلوسه، ولا يعلم جليسه بما هو فيه، وكان يقول: لا تنظروا إلى حمرة وجهى فإنها من حمرة قلبى، وكان
يقول: والله ما جلست بالناس حتى هددت بالسلب وقيل لى: لئن لم تجلس لسلبتك ما وهبناك، وكان لا يكاتب الولاة فى شىء بل كان يقول: للسائل أنا أطلب لك ذلك من الله تعالى. ويقول: ما سمعتموه منى ففهمتموه فاستودعوه الله يرده عليكم وقت الحاجة، وما لم تفهموه فكلوه إلى الله يتولى الله ببابه، واسعوا فى جلاء مرآة قلوبكم يتضح لكم كل شىء. أقام الإمام أبو العباس فى الأسكندرية ثلاث وأربعين سنة ينشر العلم، ويهذب النفوس، ويُضَربُ المَثلُ بورَعه وتقواه. تربى على يديه عدد كبير من العلماء.
من كراماته الشريفة:
كان رجل ينكر عليه، ويقول: ليس إلا أهل العلم الظاهر، وهؤلاء القوم يدعون أموراً عظمى ظاهر الشرع يأباها فحضر يوماً مجلس الشيخ فانبهر عقله ورجع عن إنكاره، وقال: هذا الرجل إنما يغرف من فيض بحر إلهى، ومدد ربانى ثم صار من أخص أصحابه.
عمل
عصيدة فى يوم حار فقالوا له: العصيدة لا تعمل إلا فى أيام الشتاء فقال: هذه عصيدة ولدنا ياقوت ولد اليوم ببلاد الحبشة فلم يزل ياقوت يباع من سيد إلى سيد حتى جاء إلى سيدى أبى العباس وحسبوا عمره فوجدوا عمره كما قال
.
وقدم إليه بعضهم طعاماً فيه شبهة يمتحنه فامتنع الشيخ من أكله، وقال: إنه كان للشيخ المحاسبى عرق فى إصبعه يضرب إذا مد يده إلى شبهة فأنا فى يدى ستون عرقاً تضرب فاستغرب الرجل وتاب على يديه.
من نفائس أقواله المأثورة:
وقال: قال لى الشيخ أبو الحسن: يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت، وكان
يقول لى: أربعون سنة ما حجبت عن رسول الله
ولو حجبت طرفة عين ما عددت نفسى من جملة المسلمين. ويقول فى حق الجنة وفى حق الوقوف بعرفة كل سنة: لو كان الحق سبحانه وتعالى يرضيه خلاف السُنّة لكان التوجه فى الصلاة إلى القطب الغوث أولى من التوجه إلى الكعبة.
وقال: لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا فى خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ فى خاطركم فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونون عنده.
ودائماً يقول كثيراً: قال الشيخ قال الشيخ، كلما ينقل كلاماً فقال له إنسان: لا نراك قط تسند لنفسك كلاماً فقال
: لو أردت عدد الأنفاس أن أقول: قال الله قال الله لقلت، ولو أردت عدد الأنفاس أن أقول: قال رسول الله
لقلت، ولو شئت أن أقول على عدد الأنفاس قلت: أنا لقلت، ولكن أقول: قال الشيخ، وأترك ذكر نفسى أدباً. والله ما نطالع كلام أهل الطريق إلا لنرى فضل الله تعالى علينا وإذا كمل الرجل نطق بجميع اللغات، وعرف جميع الألسن إلهاماً من الله عز وجل، ومن صحب المشايخ على الصدق وهو عالم بالظاهر ازداد علمه ظهوراً.
وكان
يقول علوم هذه الطائفة علوم تحقيق، وعلوم التحقيق لا تحملها عقول عموم الخلق، وكذلك شيخه الشاذلى
لم يضع شيئاً، ويقول كتبى أصحابى.
وقال: جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خلقوا من الرحمة، ونبينا
، هو عين الرحمة، والفقيه هو من انفقأ الحجاب عن عينى قلبه، ورجال الليل هم الرجال، وكلما أظلم الوقت قوى نور الولى ضرورة.
وقال: ولى الله مع الله كولد اللبوة فى حجرها أتراها تاركة، ولدها لمن أراد اغتياله لا والله.
وقال: إن الله تعالى له عباداً محق أفعالهم بأفعاله، وأوصافهم بأوصافه، وذاتهم بذاته، وحملهم من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه، وكان يقول فى معنى حديث من عرف نفسه عرف ربه: معناه من عرف نفسه بذلها، وعجزها عرف الله بعزه، وقدرته.
وكان يقول: سمعت الشيخ أبا الحسن
يقول: لو كشف عن نور المؤمن العاصى لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع وكان يقول: لو كشف عن حقيقه ولى لعُبِد لأن أوصافه من أوصافه، ونعوته من نعوته. يقول راوى الكلام: ومعنى لعُبِد: أى لأُطيع قال تعالى ﴿لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ يس: 60، أى لا تطيعوه فيما يأمركم به.
كان
يقول قال ملك من الملوك لبعض العارفين: تمن على فقال له ذلك العارف: تقول ذلك لى ولى عبدان قد ملكتهما وملكاك، وقهرتهما وقهراك، وهما الشهوة والحرص، فأنت عبد عبدى فكيف أتمنى عليك، وأنت عبد عبدى.
وقال: لا يدخل على الله إلا من بابين، أحدهما: الموت الحسى، وهو الموت الطبيعى، والآخر: الموت الذى تعنيه هذه الطائفة. وهو موت النفوس، فمن لم تمت نفسه لم تَحْيَى روحه.
وكان يقول: سمعت الشيخ أبا الحسن الشاذلى
يقول: من ثبتت ولايته من الله تعالى لا يكره الموت، وهذا ميزان للمريدين ليزنوا به على نفوسهم إذا ادعوا ولاية الله فإن من شأن النفوس وجود الدعوى للمراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصل إليها قال تعالى ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ البقرة: 94.
وقال: قد يكون الولى مشحوناً بالعلوم، والمعارف، والحقائق لديه مشهورة حتى إذا أعطى العبارة كان كالإذن من الله تعالى فى الكلام، ويجب أن تفهم أن من أذُن له فى التعبير جلت فى مسامع الخلق إشاراته، وكلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة، وكلام الذى لم يأذن له يخرج مكسوف الأنوار، وكان يقول: من أحب الظهور فهو عبد الظهور، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أو أخفاه، وكان
يقول: الطى طيان طى أصغر وطى أكبر، فالطى الأصغر لعامة هذه الطائفة أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها فى نفس واحد والطى الأكبر طى أوصاف النفوس، وكان يقول: دخل رجل على عثمان
، وقد كان نظر إلى محاسن إمرأة فى الطريق فقال: يدخل أحدكم وآثار الزنا بادية فى وجهه، وقد يُطلع الله الولى على غيبه إذا ارتضاه بحكم التبع للرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن هنا نطقوا بالمغيبات، وأصأبو ا الحق فيها.
وقال: لم يزل الولى فى كل عصر لا يلقى أكثر الناس إليه بالاً حتى إذا مات قالوا: كان فلان، وما سار الأولياء والأبدال من ق إلى ق إلا حتى يلتقوا مع واحد مثلنا.
وقال: سمعت الشيخ أبا الحسن
يقول: لن تهلك طائفة فيها أربعة:إمام وولى وصديق وشيخ. وقال أبو الحسن فى ذلك المجلس فالإمام هو أبو العباس. الولى إذا أراد عين.
وقال: والله ما كان اثنان من أصحاب هذا العلم فى زمن واحد قط إلا واحداً بعد واحد إلى الحسن بن على بن أبى طالب
، لا أعلم أحداً اليوم يتكلم فى هذا العلم غيرى على وجه الأرض.
وقال: منذ دخلت على الشيخ أبى الحسن فى القاهرة وهو يقرأ عليه كتاب المواقف للمنقرى وقال لى: تكلم يابنى بارك الله تعالى فيك أعطيت لساناً من ذلك الوقت. ويقول: والله لو علمت علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات وأمسك على لحيته لأتوها ولحبوا على وجوههم. وكان يقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يشاركونا فيما نحن فيه.
وقال: معرفة الولى أصعب من معرفة الله
فإن الله تعالى معروف بكماله وجماله، وحتى متى تعرف مخلوقاً مثلك يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب، وعلامة حب الدنيا خوف المذمة، وحب الثناء فلو زهد لما خاف، وأحب، والوَرِع من ورعه الله، ومن لم يصلح للدنيا، وللآخرة يصلح لله، ودع المنقطعين نشأ من سوء الظن، وغلبة الوهم وورع الأبدال، والصديقين على البينة الواضحة، والبصيرة الفائقة. والله ما رأيت العز إلا فى رفع الهمة عن الخلق، ولقد رأيت يوماً كلباً ومعى شىء من الخبز فوضعته بين يديه فلم يلتفت له فقربته من فيه فلم يلتفت إليه فإذا على يقال: أف لمن يكون الكلب أزهد منه، وللناس أسباب، وسببنا نحن الإيمان والتقوى قال الله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ الأعراف: 96.
وكان يقول: إذا ضاق الولى هلك من يؤذيه فى الوقت، وإذا اتسعت معرفته احتمل أذى الثقلين، ولم يحصل لأحد منهم ضرر بسببه، وكان يقول: لحوم الأولياء مسمومة، ولو يؤاخذوك فإياك ثم إياك، وكان يكره للأشياخ إذا جاءهم مريد أن يقولوا له قف ساعة، ويقول: إن المريد يأتى إلى الشيخ بهمته المتوقدة فإذا قيل له: قف ساعة طفىء ما جاء به وكان يقول عن شيخه: اصحبونى ولا أمنعكم أن تصحبوا غيرى فإن وجدتم منهلاً أعذب من هذا المنهل فردوا.
أقوال الصالحين فى حقه:
قال بعضهم صليت خلف الشيخ أبى العباس فشهدت الأنوار ملأت بدنه، وانبثت من وجوده حتى إنى لم أستطع النظر إليه.
وعن شيخه أبو الحسن
يقول للناس: عليكم بالشيخ أبى العباس فوالله إنه ليأتيه البدوى يبول على ساقيه فلا يمشى إلا وقد أوصله إلى الله تعالى، ووالله ما من ولى لله كان أو هو كائن إلا وقد أظهره الله عليه، وعلى اسمه ونسبه وحسبه وحظه من الله تعالى.
قال ابن عرام سبط الشاذلى: ولولا قوة اشتهاره وكراماته لذكرت له ترجمة طويلة، ثم قال: وكان من جملة الشهود بالثغر.
ذُكر أن الشيخ عز الدين كان يقرأ بين يديه رسالة القشيرى فحضره مرة الشيخ أبو العباس المرسى لما قدِم من الإسكندرية إلى القاهرة فقال له الشيخ عز الدين: تكلَّم على هذا الفصل فأخذ المرسى يتكلّم والشيخ عز الدين يزحفُ فى الحلْقة ويقول: اسمعوا هذا الكلام الذى هو حديث عهدٍ بربِّه، وقد كانت للشيخ عز الدين اليد الطُّولى فى التصوف وتصانيفه قاضية بذلك.
سمعت الشيخ علياً الهجار المكشوف الرأس وهو رجل صالح يقول: مر أبو العباس المرسى
فى القاهرة بأناس يزدحمون على دكان الخباز فى سنة الغلاء فرق عليهم فوقع فى نفسه لو كان معى دراهم لآثرت هؤلاء بها فأحس بثقل فى جبته فأدخل يديه فواجد دراهم جملة فدفعها إلى الخباز وأخذ بها خبزاً فرقه عليهم فلما انصرف وجد الخباز الدراهم زيوفاً فاستغاث به فعاد ووقع فى نفسه أن ما وقع فى نفسى أولاً من الرقة اعتراض على الله وأنا أستغفر الله منه فلما عاد وجد الخباز الدراهم جيدة فانصرف أبو العباس وجاء إلى الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد وحكى له الحكاية فقال ابن دقيق العيد له: ياأستاذ أنتم إذا رققتم على أحد تزندقتم ونحن إذا لم نرق على الناس تزندقنا..jpg)
قال ابن عطاء الله
: وكان الشيخ أبو العباس
لا يتنزل إلى علوم المعاملة إلا فى قليل من الأيام لحاجة بعض الناس إلى ذلك قال: ولذلك يقل اتباع من تكون علومه العلوم السابقة فإن المشترين للمرجان قد يكثرون، وقل أن يجتمع على شراء الياقوت اثنان ولم يزل اتباع أهل الحق قليلين. كما قال الله تعالى فى أهل الكهف ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ الكهف: 22، وأهل الله كهف لأمور الناس، ولكن قليل من يعرفهم.
تفسير وتأويل القرآن الكريم:
قال
: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ شريعة، و﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ حقيقة، و﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إسلاماً، و﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إحساناً، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ عبادة، و﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ عبودية، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فَرْقٌ، و﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ جَمْعٌ.
قال
: كل موضع ذكر فيه المصلّون فى معرض المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة، إما بلفظ الإقامة، وإما بمعنى يرجع إليها، قال تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقيمُونَ الصَّلاَةَ﴾ البقرة: 3، وقال تعالى ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ الإسراء: 78، ﴿وَالْمُقِيمِى الصَّلاَةِ﴾ الحج: 35، ولما ذكر المصلّين بالغفلة قال ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾الماعون: 4-5، ولم يقل: فويل للمقيمين الصلاة.
﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىء قَدِيرٌ • أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِى وَلَا نَصِيرٍ﴾ البقرة: 106-107. الإشارة: قال
فى تفسيرها: ما نذهب من بدل إلا ونأت بخير منه أو مثله. أ ه.
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ النساء: 3. قال
: كان الجنيد
قطباً فى العلوم، وكان أبو يزيد
قطباً فى الأحوال، وكان سهل بن عبد الله
قطباً فى المقامات. أ ه. أى: كل واحد غَلَّب واحد من ذلك، مع مشاركته للآخر فى الباقى، فينبغى لكل واحد أن يخوض فى فنِّه الذى خصَّه الله به ولا يتصدى لغيره.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة: 35. قال
: كل من لا يكون له فى هذا الطريق شيخ لا يفرح به. أ ه.
قال
: من كان من فقراء الزمان يسمع الغناء، ويأكل أموال الظلمة، ففيه نزعة يهودية، قال تعالى ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ المائدة: 42، أ ه.
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الأنعام: 54. كان
إذا دخل عليه أحد من أهل العصيان كأرباب الدولة والمخزن، قام إليهم، وفرح بهم، وأقبل عليهم، وإذا أتى إليه أحد من العلماء أو الناسكين لم يَعتَنِ بشأنهم، فقيل له فى ذلك، فقال: أهل العصيان يأتوننا فقراء منكسرين من أجل ذنوبهم، لا يرون لأنفسهم مرتبة، فأردت أن أجبر كسرهم، وأهل الطاعة يأتوننا أغنياء معتمدين على طاعتهم، فلا يحتاجون إلى ما عندنا.
وقال
: للناس أسباب، وسببنا الإيمان والتقوى، ثم تلا هذه الآية ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا ... ﴾الأعراف: 96. وقال
: الحق الذى خلق الله به كل شىء كلمة «كن». قال سبحانه ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق وَلَهُ الملك﴾ الأنعام: 73. أ ه.
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ يونس: 36. فقال
: معنى كلامه: أنهم ظنوا وتوهموا أنهم بلغوا إلى مقام النهاية، بحيث لا مقام فوق ذلك، ولو أدرك أحدهُم صبيَّاً لنبههم على أن ما فاتهم أكثر مما أدركوا ولانقادوا له. أ ه.
﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾
مريم: 25، قال
: كانت فى بدايتها متعرفاً إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال: إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغى أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
قال
: الأنبياء
خُلقوا من الرحمة، ونبينا
هو عين الرحمة، قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾الأنبياء: 107. أ ه. وقال أيضاً: الأنبياء
لأممهم صدقة، ونبينا
لنا هدية. قال
(وأنا النعمة المهداة)، فالصدقة للفقراء، والهدية للكبراء.
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ فاطر: 13. قال
: يُولج الليل فى النهار، ويولج النهارَ فى الليل. يُولج المعصية فى الطاعة، ويُولج الطاعة فى المعصية. يعمل العبد الطاعة فيُعجب بها، ويعتمد عليها، ويستصغر مَن لم يفعلها، ويطلب من الله العوض عليها، فهذه حسنات أحاطت بها سيئات. ويُذنب العبدُ الذنبَ، فيلتجىء إلى الله فيه، ويعتذر منه، ويستصغر نفسه، ويُعظم مَن لم يفعله، فهذه سيئة أحاطت بها حسنات، فأيتهما الطاعة، وأيتهما المعصية؟ أ ه. وفى الحِكَم: معصية أورثت ذُلاًّ وافتقاراً، خير من طاعة أورثت عزّاً واستكباراً، وقال
: كل سوء أدب يُثمر لك حُسن أدب؛ فهو أدب.
انتقاله للدار الآخرة:
انتقل إلى جوار ربه فى 25 ذو القعدة سنة 686 هـ ودفن فى الإسكندرية فى مقبرة باب البحر نفعنا الله ببركته وضريحه بالأسكندرية يزار وهو مشهور ومعروف للخلائق كلها.
سمير جمال
...