31 يوليو, 2025

أهل الله - الاستقامة 2

اصدارات المجلة

أهل الله - الاستقامة 2

حفظ كملف ورد ...

الاستقامة 2

 

قَوَامُ طَرِيقَ الْقَوْمِ حبُّ وَطَاعَةٌ     وَكُلُّ مَقَامٍ قَامَ بِالْإِسْتِقَامَةِ 1/375

ذكرنا فى المقال السابق أن الاستقامة فى اللغة تعنى الاعتدال، وأن الاستقامة على الطريق دليل على الهداية، واستقام الإنسانُ: اعتدل فى سلوكه وكانت أخلاقُه فاضلة، وقوله تعالى ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ يونس: 89، أى امضيا واستمرّا.

وفى هذا المقال نستكمل ما ورد عن الاستقامة حيث أنها السبيل إلى جلب محبة الله  للعبد، فالاستقامة على طريق الهداية تستجلب رضا الرب ومحبته لعبده الطائع.

يقول  ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا  وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا  وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا  ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا﴾ النساء: 66-70، فمن أراد الاستقامة واستجلاب رضا الرب تعالى ومحبته، فعليه أن يرضى ويسلم لحكم الله ورسوله دون أدنى شك.

يقول ابن عجيبة: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ﴾ من طاعة الرسول، والرضى بحكمه، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فى آجلهم وعاجلهم، وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً فى دينهم وقوة فى إيمانهم، أو تثبيتاً لثواب أعمالهم، وَلو فعلوا ذلك لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً يصلون بسلوكه إلى حضرة القدس، ودوام الأنس، ويفتح لهم أسرار العلوم، ومخازن الفهوم، قال  (من عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللهُ علمَ مَا لم يعلم).

وفى الإشارة:

كما أمر الله بطاعة رسوله  فى حياته، أمر بطاعة ورثته بعد مماته، وهم العلماء الأتقياء الذين يعدلون فى الأحكام، والأولياء العارفون الذين يحكمون بوحى الإلهام، فالعلماء حُكَّام على العموم، والأولياء حكام على الخصوص، أعنى من تعلق بهم من أهل الإرادة، فقوام طريق القوم الحب والطاعة لله ورسوله وورثته فمن لم يرض بحكم العلماء، ووجد فى نفسه حرجاً مما قضوا به عليه، ففيه شعبة من النفاق، وخصلة من المنافقين. ومن لم يرض بحكم الأولياء فقد خرج من دائرتهم، ومن عُش تربيتهم، لأن حكم الرسول عليه الصلاة والسلام وحكم ورثته هو حكم الله، ومن لم يرض بحكم الله خرج عن دائرة الإيمان، لقوله تعالى لرسوله الكريم ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء: 65.

يقول الإمام القشيرى: أن الله تعالى سدّ الطريق إلى نفسه على الكافة إلا بعد الإيمان بمحمد ، فمن لم يمش تحت رايته فليس له من الله نفَس. ثم جعل من شرط الإيمان زوال المعارضات بالكلية بقلبك.

وفى التفسير الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية: وفى معانى الكلمات التى وردت فى الآية الكريمة ﴿فَلَا وَرَبِّكَ﴾: اللام لتأكيد القسم. ﴿شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾: اختلط عليهم من الأمور ﴿حَرَجاً﴾: ضيقًا.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ... ﴾ النساء: 64. الآية.

أى: وما أرسلنا رسولاً من الرسل، لأمر من الأمور، إلا ليطيعه الناس بسبب إذنه تعالى لهم فى طاعته، وأمْرِه لهم بأن يتبعوه، فإِن طاعة الرسول طاعة لله ... ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ النساء: 80.

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾النساء: 64.

فى هذا بيان لما كان يجب عليهم أن يفعلوه حين ظلموا أنفسهم. أى ولو أنهم حين ظلموا أَنفسهم بترك طاعة الله تعالى بادروا بالمجىء إليك، معتذرين عن جرائِمهم مبالغين فى التضرع إلى الله، والتوبة إليه من ذنوبهم، حتى تقوم شفيعاً لهم إلى ربك، طالباً منه المغفرة لهم.

﴿لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء: 64. أى لو أنهم فعلوا ذلك لوجدوا أبواب التوبة مفتحة لهم، ورحمتَه تعالى محيطةً بهم.

وفى هذه الآية، إرشاد لسائر العصاة والمذنبين، إذا وقع منهم ذنب أو خطيئة، أن يبادروا بالتوبة والندم، كى يفوزوا بغفران الله لهم.

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... ﴾. الآية. قد أقسم الله سبحانه بذاته، وهو الذى تولى تربيتك أيها الرسول، وأنعم عليك بنعمة النبوة، وأَدَّبك بأدب القرآن أقْسَمَ: أن هؤُلاء الذين أَعرضوا عن التحاكم إليك فيما اختلط عليهم، لا يدخلون فى عداد المؤْمنين الصادقين، حتى تتحقق فيهم صفات ثلاث:

أولاها: أن يهْرَعوا إليك أيها الرسول لتحكم بينهم فيما اختلط عليهم.

ثانيها: أن ترضى نفوسهم وتستمر راضية دون حرج أو ضيق بحكمك وقضائك.

ثالثها: أن يسلِّموا بحكم رسول الله، ، تسليماً كاملاً، ويذعنوا له إِذعاناً صادقاً، ويقوموا على تنفيذه بنفوس راضية.

لهذا يقول الإمام فخر الدين لأبنائه حيث أنه وارث نبوى فإن حكمه عادل لأنه مردود إلى حكم الله ورسوله فإذا رد المتنازعين نزاعهم إليه فإن حكمه فيهم لحل نزاعهم هو حكم الله ورسوله، ومن رضى بحكمه وحد أنظار جميع الأبناء، وجمَع شملهم وقلوبهم على قلب رجل واحد، فالرضا بحكمه، وهو حكم الله ورسوله، يجمع الشمل وينهى النزاع والفرقة وفى هذا المعنى يقول الإمام فخر الدين:

وَمِنْ حُكْمِ الْعَلِيمِ يَكُونُ عَدْلِى        إِذَا رَدُّوا تَنَازُعَهُمْ إِلَىْ 1/375

ويقول أيضاً:

مَنْ رَدَّ أَمْرًا كَانَ فِيهِ تَنَازُعُ       وَكَفَاهُ حُكْمِى وَحَّـدَ الْأَنْظَارَا 64/15

وارتباطاً بهذا المعنى يقول الإمام فخر الدين أن المحب من أبنائى لله ورسوله سيرضى بحكمى وقضائى، حتى لو أدى حكمى إلى شكوى هذا المحب ومعاناته، فالمحب يرضى بقضاء الله ورسوله ولا يرضى بغيره بديلاً.

ويوضح ذلك الإمام فخر الدين فى قوله:

يَرْضَى الْمُحِبُّ بِمَا قَضَيْتُ وَلَوْ أَتَى      عَدْلِى بِمَا مِنْهُ اشْتَكَى وَيُعَانِى 2/37

ويبشر الإمام فخر الدين أبناءه الذين يرضون بحكم الله ورسوله الكريم ، سيكونون أحياء بعدد مماتهم لأن طاعتهم لله ورسوله ستجعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهى الحياة الحقيقية فيقول:

فَمَنْ يُرْضِيهِ حُكْمُ اللهِ عَبْدُ           يَصِيرُ الْحَىَّ مِنْ بَعْدِ الْمَمَاتِ 39/34

ويقول الإمام فخر الدين لأبنائه: أننى لا يرضينى إلا حُكم اللهِ ورسولِه. وأن كل من لم يرض بقضاء الله ورسوله وحكمه وكلُّ من جمَحً وركِب رأسه واتبع هواه ولم يرض، حينئذ فإنه يكون قد فقَد إيمانه.

وفى ذلك يقول الإمام فخر الدين:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا إِيمَانَ إِنْ جَمَحُوا      وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُ حُكْمِ اللهِ يُرْضِينِى 90/16

فلا يَكمُلُ إيمَانُ العَبدِ حتَّى لا يجد فى نفسه حرجاً من أحكام الله، القهرية والتكليفية وما أورده على لسان رسوله الكريم، ويسلم لما يبرز من عنصر القدرة الأزلية، كيفما كان، فقراً أو غنى، ذلاً أو عزاً، منعاً أو عطاء، قبضاً أو بسطاً، مرضاً أو صحة، إلى غير ذلك من اختلاف المقادير. ويرضى بذلك ظاهراً وباطناً، وينسلخ من تدبيره واختياره إلى اختيار مولاه فهو أعلم بمصالحه، وأرحم به من أمه وأبيه.

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ويرضى بأحكامهما ويمتثل أمرهما ويجتنب نهيهما، فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وهم أكرم الخلق عند الله وأعظمهم قدراً مِنَ النَّبِيِّينَ والمرسلين وَالصِّدِّيقِينَ وهم من كثر صدقهم وتصديقهم وعظم يقينهم وهم الأولياء العارفون بالله، وَالشُّهَداءِ الذين ماتوا جهاداً فى سبيل الله، وَالصَّالِحِينَ وهم العلماء الأتقياء، ومن صلح حاله من عامة المسلمين.

ويستكمل الإمام القشيرى: ثم قال  ﴿وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً﴾ أى: ما أحسنهم رفقاً فى الفردوس الأعُلى، فهم يتمتعون فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كانوا أعلى منهم، فلا يلزم من كونه معهم أن تستوى درجته معهم، وقال فى الحاشية: وتعقل مرافقة من دون النبى فى المدانات من حاله وكشفه، بحيث لا يحجب عنه، وإن كان لا مطمع له فى منزلته، واعتبر برؤية البصائر له وعدم غيبته عنهم وأنسهم به والاستفادة منه، وروى عنه  أنه قال (يزور الأعلَون من أهل الجنة الأسفلين، ولا يزور الأسفلون الأعلين، إلا من كان يزور فى الله فى الدنيا، فذلك يزور فى الجنة حيث شاء).

رُوِى أن ثَوبَانَ مَولى رَسُول الله  أتاه يوماً وَقَد تَغَيَّر وَجهُهُ وَنَحَلَ جِسمُهُ، فسأله  عن حاله، فقال: ما بى وَجَعٌ، غَيرَ أنِّى إذَا لَمْ أرَكَ اشتقْتُ إليك، واستَوحَشتُ وَحشةً شَدِيدَةً حَتَى ألقَاكَ، ثمَّ ذَكَرتُ الآخِرَةَ فخفت ألا أرَاكَ هُنَاكَ لأنى عرفت أنكَ تُرفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ. وإن دخلتُ الجَنَّة، كُنتُ فى مَنزلٍ أدون مِن مَنزِلكَ، وأن لَم أدخُلِ الجَنَّةَ فّذَلكَ حَرِى ألا أرَاكَ أبَداً. فنزلت الآية وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ... ﴾ النساء: 69.

ونستكمل فى مقال آخر إن شاء الله تعالى.

عبدالستار الفقي

...

التعليقات عدد التعليقات (0)

أضف تعليق


كروت معايده

هذا القسم خاص بنشر تصاميم الكروت للمناسبات والحوليات من ابداعات الأحباب

المشاركات

صفحات التواصل هى لتبادل التعليقات و المقترحات و الأراء بين الإخوه, و يمكنك استخدام النموذج فى أخر الصفحه لإرسال مشاركتك علماً بأن هذه المشاركات تراجع قبل عرضها على الصفحات.

ألبوم الصور

لمحات ونسائم